]color=blue]صوبـا – قرية صغيرة تقع على بعد 10 كم غربي القدس، ترتفع عن سطح البحر 2576 قدماً، أي ما يعادل 798م.. ولعل اسمها مأخوذ من الكلمة الآراميةsobeba بمعنى الحافة، وكانت تعرف عند الرومان sobim "صيوئيم".
وفي العهد القديم موقعان باسم "صبوعيم" بمعنى ظباع، و "صبويم" بمعنى ظباء، ولم يذكر أحد بأن مكان أي منهما بجوار "صوبا"، وصبوعيم وادي في شرقي مخماس إلى الجهة الغربية يسمى اليوم "ابو الضباع"، وصبوييم إحدى المدن التي دمرت مع مدن "سدوم" جنوب البحر الميت.
ومن مسميات هذا المكان ewpns أو ewbns وقد ذكر هذا الاسم في النسخة اليونانية من كتاب يشوع في قائمة المدن ل يهوذا، مقاطعة بيت لحم.
وفي مرحلة لاحقة من الممكن ربط المكان باسم "سيبويم"، وقد ذكرت في كتابات الحاخامات خلال العهد الروماني اللاحق.
إن بقاء القبور المنحوتة في الصخر وبقايا الفسيفساء المرصوفة، تبيّن وجود حياة من نوع ما في العصرين الحديدي والبيزنطي.
وقد ذكرها صاحب معجم البلدان "صوبا" بالضم وبعد الواو باء موحدة، وهي قرية من قرى بيت المقدس.
ولموقع صوبا الاستراتيجي مكاناً رئيسياً للاستيطان.. فقد تعاقبت عليه عدة حضارات سادت ثم بادت، ومن هذه الحضارات:
حضارة الكنعانيين في العهد اليبوسي سنة 3000ق.م، وقبيلة يبوس من الساميين الذين نزحوا من جزيرة العرب، وسكنوا المرتفعات المطلة على مدينة القدس، وقد شيّد اليبوسيون مدينتهم "ربّة – rabba" على قمة تل صوبا. "1"
كذلك خضعت صوبا لحكم فراعنة مصر عام 1479ق.م، وقد أسموها مدينة "ربوته- rubut"، وهذا الاسم جاء في رسائل تل العمارنة المصرية، وهي رسائل من الطين، وجهت إلى فرعون مصر من مدن فلسطين ومن بينها مدينة "ربوته" لطلب المساعدة والنجدة ضد العبرانيين القادمين لغزو بلادهم. "2"
وفي عام 1049ق.م دار صراع عنيف بين بني إسرائيل القادمين من مصر وبين الكنعانيين العرب، سقطت على أثره القدس في عهد ملكهم يهودا."3"
كذلك غزا الأشوريون منطقة القدس ودكوا أسوارها وأسروا بعض سكانها سنة 730ق.م. "4"
وفي سنة 599 ق.م غزا البابليون منطقة القدس وتمكنوا من الاستيلاء عليها على يد ملكهم نبوخذ نصّر الذي سبى بني إسرائيل، ودك أسوار القدس والقرى المحيطة بها. "5"
وفي عهد كورش ملك الفرس سنة 538 ق.م استولى الفرس على منطقة القدس وفتح باب العودة لرجوع اليهود إليها. "6"
وقد كشفت الحفريات الأولية التي قامت بها مدرسة الآثار البريطانية عام 1986- 1988م عن وجود استيطان فارسي قديم في صوبا.
وفي العهد اليوناني سنة 332 ق.م تمكن الاسكندر المقدوني من إسقاط الامبراطورية الفارسية وطرد أهلها من البلاد. "7"
وعندما جاء بومبي الروماني سنة 63ق.م أنهى الوجود اليوناني في منطقة القدس ودمّر بيت المقدس. "8"
وقد دلّت الآثار أن الآثار الرومانية ما زالت تشاهد حتى اليوم في قرية صوبا من خلال بقايا الأبنية والأقنية والكهوف والمدافن.
أما في الفترات اللاحقة فقد استولت جيوش الفرس بقيادة كسرى على سوريا ودخلت فلسطين.
وفي العهد البيزنطي تمكن هرقل من هزيمة الفرس سنة 330 م."9"، وأصبحت دولة الرومان أقوى دول المنطقة، وما زالت الآثار البيزنطية خاصة رسوم الفسيفساء ماثلة للعيان في قرية صوبا حتى اليوم.
وفي السنة الخامسة عشر للهجرة 636م دخل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت المقدس وأنهى بذلك حكم الإمبراطورية البيزنطية، وعادت فلسطين عربية إسلامية. "10"
وكباقي مدن فلسطين دخلت صوبا في الإسلام، وحافظت على بعض المقامات الإسلامية فيها، مثل المقام العمري (نسبة للخليفة عمر ابن الخطاب)، ومقام الشيخ ابراهيم الأدهمي (توفي عام 161هـ) وغيرها من المقامات الإسلامية.
وفي العهدين الأموي والعباسي بقيت صوبا تعتز بالإسلام، ولم يعكّر صفوها سوى الحروب الصليبية.
ففي العهد الصليبي سنة 1099م احتل الصليبيون قرية صوبا كباقي مدن وقرى فلسطين"11" وتمكنوا من طرد سكانها الأصليين لإحلال المستوطنين القادمين من أوروبا مكانهم.
ولموقع قرية صوبا المرتفع غرب بيت المقدس ولأهميتها الاستراتيجية في الدفاع عن القدس وحماية طريق القوافل الموصلة إليها من البحر، أقام فرسان الإسبتارية قلعة لهم على أنقاض قرية صوبا العربية أسموها حصن بلمونت belmont وأحاطوه بسور ضخم مثمن الأضلاع.
وخلال الأربعين سنة الأولى من القرن الثاني عشر، نقل الموقع التقليدي الإنجيلي لعمواس من عمواس إلى قرية العنب "أبو غوش" وهي محطة طريق رومانية وعباسية قريبة من القدس، وفي سنة 1140م أمر القديس يوحنا القدسي ببناء كنيسة الانبعاث، ونتيجة لهذه النقلة الطبوغرافية عُرفت جبال مودين بكونها التلة البارزة المطلة على وادي قرية العنب.
وفي عام 1172م وصف أحد الحجاج الثيودريين الموقع بدقة، فبعد أن وصف الأماكن المقدسة في "عين كارم" والمناطق المحيطة بها أضاف قائلاً:
(... في جوار هذا المكان تقبع تلال مودين التي جلس فيها ماثاثياس وأبناءه عندما فتح أنتيكوس المدينة وهزم أبناء إسرائيل).
تدعى تلك الجبال من قبل الناس اليوم ب بلمونت، وتقبع تلك الجبال بجوار قرية عمواس، والتي يسميها سكانها اليوم "فونتينوير" حيث ظهر الرب لإثنين من أتباعه في نفس يوم البعث.
ولم يذكر الثيودوري قلعة بلمونت، مما يدل على أنها بنيت حوالي عام 1169م، عندما أشير إلى حاكم القلعة الاسبتاري في رسالة للبابا الاسكندر الثالث، والذي كان له دور نشط في حماية النظام في الأراضي المقدسة.
وهناك حاكم آخر للقلعة يدعى "ويليام أوف بلمونت" وهو فارس إسبتاري آخر، ذكر أنه كان في عام 1175م يساعد مسؤول مالية النظام ومسؤول نقل ملكية الأراضي في القدس.
وفيما بين 1163- 1169م امتلك الاسبتاريون العديد من الأراضي في المنطقة المحيطة ب بلمونت.
وعندما قدم صلاح الدين الأيوبي إلى بيت المقدس في العهد الأيوبي (1187-1253م) فتحها كما فتح بقية الحصون المجاورة ومنها حصن بلمونت في قرية صوبا عام 1187م.. وبذلك عادت صوبا مرة ثانية إلى حظيرتها العربية الإسلامية. "12"
وفي عام 1191م دُمّرت قلعة بلمونت في صوبا على أيدي جنود صلاح الدين الأيوبي مع بقية القلاع المجاورة في تورون "اللطرون" وكاستيلون ايرنالدي" يالو وبيفيريوم "القسطل"، حتى لا يستفيد منها جنود الصليبيين عندما حاول ريتشارد قلب الأسد استرداد بيت المقدس من أيدي المسلمين.
ومن المحتمل أن يكون "جيفري أوف بلمونت" الفارس الاسبتاري الذي شهد على ميثاق انطاكية عام 1203م واحد من الأشخاص الذين نجوا من تلك الحامية.
أما بعد ذلك فتختفي قلعة "بلمونت" من السجلات والتاريخ.. لكن قرية "صوبا" استمرت في الوجود، وقد ذكرها الجغرافي العربي ياقوت الحموي عام 1225م.
أما في العهد المملوكي ( 1253- 1516م ) فقد ألحقت قرية صوبا بمملكة دمشق "13" بعد معركة عين جالوت التي أوقفت المد المغولي إلى بقية البلاد العربية، وطردهم إلى ما وراء نهر الفرات.
وفي زمن العهد العثماني الذي امتد قرابة 500 عام (1516- 1917م)، فقد سيطرت جيوش السلطان سليم الأول على فلسطين وبقية بلاد الشام بعد هزيمة المماليك في معركة مرج دابق عام 1516م، وتبعت فلسطين ولاية بلاد الشام."14"
ولموقع صوبا الاستراتيجي وأهميته، فقد تبعت القرية لولاية القدس (ناحية القدس)، وسيطر معظم رجال الدولة من قادة الفرسان (السباهية) والزعماء العثمانيون عليها، وأوقعوها تحت نظام التيمار، ومن ثم الزعامة أي الإقطاع العسكري.
وفي عام1831م أعلن محمد علي باشا والي مصر العصيان على تركيا، وأرسل جيشاً بقيادة ابنه ابراهيم باشا المصري لاحتلال مدن فلسطين وقراها بما فيها القدس، إلا أنه جوبه بمقاومة عنيفة من قبل السكان المحليين والثوار في قرية صوبا، مما دفعه إلى محاصرتها وقصفها، وبعد معركة حامية الوطيس احتلها وأمر بتدمير سورها وتحصيناتها وأبنيتها القوية."15"
(وبالرغم من ذلك فما زال هناك أجزاء سليمة من السور شاهدة بانتظامها وأبعادها الكبيرة على جمال سور الحصن الذي كان يحيط بالبلدة، والذي كان في ذلك الوقت بالرغم من أنه عانى مع مرور الزمن ومرور الأمم عليه، في حالة جيدة صالحة ليكون – بالرغم من التهدمات العديدة – مأوى لسكان صوبا). "16"
وفي عام 1841م استرد السلطان عبد الحميد القدس وفلسطين بمساعدة انجلترا والنمسا، وظلت تحت الحكم العثماني حتى الحرب العالمية الأولى.
كانت القرية تشمخ على ذروة جبل, وتشرف على جبال أخرى من الجهات كلها. وكانت طريق فرعية, طولها 3 كلم, تصلها بطريق القدس- يافا العام المار شماليها. كما كانت طرق ترابية تربطها بمجموعة من القرى المجاورة. وعدت صوبا قائمة في موقع بلدة ربا القديمة, وقد سميت روبوته في رسائل تل العمارنة المصرية القديمة. إلا أن التنقيبات التي أجريت في الموقع تشير إلى أن القرية أهلت أول مرة في العهدين الفارسي والهلنستي. في أيام الرومان, كان اليهود المقيمون في المنطقة يسمونها سيبويم, بينما كان الإغريق والرومان يدعونها سويا. ولا يزال وضع القرية في العصور الإسلامية الأولى يحتاج إلى تدقيق. وقد أنشأ الصليبيون قلعة في موقع القرية ودعوها بلمونت. في سنة 1596, كانت صوبا قرية في ناحية القدس (لواء القدس), وعدد سكانها 369 نسمة. وكانت تؤدي الضرائب على عدد من الغلال كالقمح والشعير والزيتون, بالإضافة إلى عناصر أخرى من الإنتاج والمستغلات كالماعز وخلايا النحل ودبس الخروب. في أواسط القرن التاسع عشر, كانت صوبا تحت سيطرة آل أبي غوش, الذين كانوا يحكمون المنطقة من مقرهم في قرية العناب(16135). وقد أنشأوا حصنا لهم فيها داخل أسوار القلعة الصليبية, لكنه دمر هو وأسوار القلعة في إبان حملة إبراهيم باشا المصري في فلسطين سنة 1832. في أواخر القرن التاسع عشر, كانت صوبا قرية متوسطة الحجم, مبنية بالحجارة وقائمة على قمة تل مخروطي الشكل شديد الانحدار. وكان يتوسط القرية, التي تحف بها بساتين الزيتون و كروم العنب, منزل فريد في ارتفاعه بالإضافة إلى بقايا القلعة الصليبية. وكانت منازل القرية المبنية بالحجارة تتجمهر, أصلا في رقعة صغيرة تقع داخل أسوار القلعة الصليبية. وفي وقت لاحق أنشئت المنازل الجديدة إلى الجنوب, في موازاة الطريق الموصلة إلى طريق يافا- القدس العام, واتخذت القرية بذلك شكل المستطيل. وكان سكان صوبا من المسلمين, ولهم فيها مقام لشيخ يدعى إبراهيم إلى الجنوب من الموقع. كان من أهم محاصيل القرية الحبوب التي كانت تزرع في بطن الوادي, وأشجار الفاكهة والزيتون التي كانت تزرع على المنحدرات. في 1944\1945, كان ما مجموعه 712 دونما مخصصا للحبوب و1435 دونما مرويا أو مستخدما للبساتين منها 150 دونما حصة الزيتون. وكان ثمة ينابيع عدة في جوار القرية, التي كان سكانها يتزودون منها مياه الاستخدام المنزلي ومياه الري.[/color]